تصرفات المحجور في القانون الدولي الخاص


إن معاجة موضوع تصرفات المحجور في القانون الدولي الخاص ، تقتضي منا التعرف على القانون الواجب التطبيق في الحالة التي يثار فيها إشكال القانون الواجب التطبيق في نطاق العلاقات الشخصية التي تترتب عن حالتهم المدنية أو أهليتهم القانونية .و قد اختلفت الأراء من خلال موقفين أحدهما يرجح القانون الأول و الآخر يرجح القانون الثاني . و يعتمد كلا الإتجاهين على عدة اعتبارات منها ما هو قانوني أو سياسي ، و منها ما هو اجتماعي، و منها ما هو عملي. [1]غير أنه تثار إشكالية أخرى تتعلق بحالات تطبيق قانون دولة القاضي.

و بناءا عليه سنتناول هذه الفقرة من خلال الحالات الثلاث السالفة الذكر.

أ‌- تطبيق قانون الجنسية.

ينصرف مفهوم الاهلية التي تخضع لقانون جنسية الشخص إلى أهلية الأداء ، و ليس إلى أهلية الوجوب. و هذا ما نص عليه الفصل الثالث من قانون الإلتزامات و العقود المغربي بشكل صريح حيث يقضي هذا الفصل بأن :" الأهلية المدنية تخضع لقانون أحواله الشخصية ، و كل شخص أهل للإلزام و الإلتزام ، ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك ".

و يفهم من هذا الفصل ، بأن السبب في إخضاع أهلية الأداء إلى قانون دولة جنسية الشخص ، لأنها صفة في هذا الشخص ، و من جهة أخرى ، أن هذا القانون هو الذي ينظم أحكامها من أجل إضفاء الحماية عليها أثناء القيام بالتصرفات القانونية.

و في إطار هذا المعنى اعتبر بعض الفقه . بأن إخضاع أهلية الأداء إلى قانون جنسية الشخص ، و ليس إلى قانون موطنه ، لأن الأمر يتعلق هنا بحماية إرادة هذا الشخص ، في مباشرة تصرفاته القانونية ، و ليس بحماية هذه التصرفات أو الحقوق الناشئة عنها. و قد استند هذا الفقه في تبرير ما ذهب إليه إلى ما يلي:

- إن الأهلية ، قبل أن تكون عنصرا في التصرف أو العلاقة القانونية ، هي صفة في الشخص نضم القانون أحكامها من أجل حماية هذا الشخص أثناء تصرفه، و ليس العكس ،و لذلك ، فإنها تتبعه إينما حل دون أن تتأثر بقانون موقع هذا التصرف.

- إن توفر الأهلية ، أو قيامها ، هو شرط يسبق التصرف إلى الوجود و من ثم، فإن هذا التصرف لا يتحقق إلا بتوفر جميع أركانه، و شروطه ، وفق ما ينص عليه القانون (المادة الثانية من قانون الإلتزامات و العقود ). [2]

و على هذا الأساس فإنه في حالة تغيير الجنسية ، فالقانون الذي يحكم الأهلية أو التصرفات التي تترتب عنها ، هو قانون دولة الجنسية الجديدة ، و ليس قانون دولة الجنسية السابقة .و ذلك حماية للغير الذي يتعامل مع الشخص الذي غير جنسيته ، باعتبار أنه يسهل عليه أن يتصرف على هذه الجنسية ،دون الجنسية السابقة ، إلا إذا كان هذا التغيير ، قد يترتب عليه نقصان هذه الأهلية . فعندئذ يجب تطبيق قانون الجنسية السابقة ،لا قانون دولة الجنسية اللاحقة على التصرفات التي كان قد أبرمها في ظل القانون الأول ، باعتبار أن الأهلية دائما ، هي شرط صحة في هذه التصرفات ، وقت إبرامها , و ليس في وقت لاحق منها. [3]

وترتيبا على ما سبق ، فإن أي سبب يتعلق بنقصان الأهلية أو انعدامها بسبب السن أو التمييز يجب الرجوع في بيانه إلى قانون دولة الشخص الذي يحمل جنسيتها .

ب‌- تطبيق قانون الموطن.

إذا كانت أهلية الأداء كقاعدة عامة هي التي تخضع إلى القانون الشخصي ، حينما تثور مسألة تنازع القوانين حول هذه الأهلية ، فإن أهلية الوجوب غالبا ما تخضع في مقتضياتها إلى قانون الموطن على اععتبار أن المشرع عند تنظيمها لا يستهدف منها حماية إرادة الشخص نفسه ، و إنما فقط يريد من خلالها حماية المصلحة العامة ، و هي صلاحية التمتع بالحقوق أو حماية مصلحة الغير ، و هي ترتيب الإلتزامات.[4]

و هذه الحقوق منها ما يتعلق بأداء خدمة ، أو ممارسة مهنة، أو الحصول على إذن أو ارتكاب فعل ضار أو اكتساب الجنسية أو فقدها أو استردادها.

فأهلية الوجوب التي تقتضي صلاحية التمتع بالحقوق المرتبطة بأداء الخدمة علل الفقه خضوعها إلى قانون الموطن ، من جانب اعتبارها نوعا من موانع التصرف ، و ذلك تأسيسا على أن الأمر يتعلق هنا بحماية المصلحة العامة لا حماية إرادة الشخص .و من أمثلة ذلك : منع النائب أو الوكيل أو الممثل القانوني من أن يشتري لنفسه ما أنيط ببيعه بمقتضى النيابة أو الوكالة بحسب الفصلين 480 و 481 من ق.ل.ع المغربي. و منع القاضي من تزويج من له الولاية عليه حسب المادة 18 من مدونة الأسرة.

أما أهلية الوجوب التي التي تقتضي ممارسة نشاط ، أو مهنة ، أنه يتم إخضاعها إلى قانون موطن هذه الممارسة ، و ذلك حماية للنشاط الذي يقوم به الشخص ، و تحقيقا للأمان لفائدة الغير و سلامة المعملات على الإقليم الذي يتم فيه هذا النشاط ، و هذا ما يفسر الحصول على الترخيص أو الإذن لممارسة التجارة .

و على هذا الأساس ، فإذا كان الشخص بالغا سن الرشد القانوني حسب قانون دولة الجنسية ، و قاصرا بحسب قانون دولة الموطن ، فإنه لا يستطيع ممارسة التجارة [5]، و التي حددها المشرع المغربي في 20 سنة . و على القاصر الأجنبي الذي يريد ممارسة التجارة الحصول على إذن من رئيس المحكمة التي ينوي ممارسة التجارة بدائرتها.

و يلاحظ أن هناك تناقضا بين أحكام مدونة الأسرة و مدونة التجارة فيما يتعلق سن الأهلية ، و بخصوص هذا الشأن يرى الأستاذ محمد الفروجي أن المادة 15 من مدونة التجارة وضعت حدا لتطبيق الفصل 3 من ق.ل.ع المغربي،فيما يخص الميدان التجاري حيث أصبح القانون الشخصي يطبق على الأهلية المدنية فقط بالنسبة للأجانب .[6]

ت‌- قانون دولة القاضي .

بعد أن بينا حالات تطبيق قانون دولة الجنسية و قانون دولة الموطن . يثار التساؤل حول الحالة التي يكون فيها النزاع بين وطنيين و أجانب أو بين أجانب ينتمون إلى دول مختلفة ، و ذلك بسبب اختلاف سن الأهلية لدى قانون دولة كل واحد منهم .و بالتالي تضارب المصالح بينهم .

فقد أجمع الفقه و القضاء و التشريع على أن مثل هذه الحالة تخضع لقانون القاضي و ليس إلى قانون دولة الجنسية ، و هو ما أخذ به القضاء الفرنسي في القضية المشهورة بقضية لــــيزاردي

Affaire LIZARDI[7] .حيث تبنى هذا القضاء بمناسبة هذه القضية ، قاعدة مفادها ، أن القانون الشخصي لا يعتد به في مسائل الأهلية، متى كان أحد أطراف النزاع يتمسك ببطلان هذه الأهلية استنادا ، إلى قانونه الوطني ،في حين أنها كاملة حسب قانون دولة القاضي و ذلك تأسيسا على مراعاة "المصلحة الوطنية" في كل المعاملات التي يكون أحد أطرافها من الأجانب.[8]



[1] راجع في هذا الشأن :

محمد التغدويني ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، طبعة ثانية 2006 ، ص 394 ، 395 و 396.

[2] أحمد عبد الكريم سلامة،الوسيط في القانون الدولي الخاص ،ص 718

[3] أحمد عبد الكريم سلامة ، م.س، ص 715

[4] محمد التغدويني ، م.س ،ص433 .

[5] المادتين 14 و 15 من مدونة التجارة.

[6] محمد لفروجي، التاجر و قانون التجارة بالمغرب ، مطبعة النجاح الجديدة ،طبعة أولى ،1997 ، ص 197

[7] محمد التغدويني ، م.س ، ص 436

[8] أحمد زوكاغي . القانون الدولي الخاص. مطبعة دار السلام ،طبعة 2006 .ص 197


اكمل القراءة ...